أزمة الكهرباء في العراق...عقود ووعود وما خفي أعظم

[?????? ?.?.?] [?????? ?.?.?]

أزمة الكهرباء في العراق...عقود ووعود وما خفي أعظم

By : Omar el-Jaffal عمر الجفال

لم يدر بخلد المهندسين والفنيين الذين نصبوا أوّل ماكنة كهربائية في العراق عام 1917 في بناية "خان دلة"، أن أبناء جلدتهم سيعانون قيض الصيف القاتل وبرد الشتاء القارس نتيجة شح التيار الكهربائي، خاصة أن أولئك المهندسين والفنيين تمكّنوا خلال أشهر معدودة من ذلك العام، من نصب مكائن أُخرى تعمل على الديزل في مناطق متعددة منها السرايا، وشريعة المجيدية، والمستشفى الرئيسي في الباب المعظم، ومعسكر الهنيدي أكبر ثكنات الجيش العراقي آنذاك، وشارع الرشيد، الذي كان يسمى "جادة خليل باشا"، حيث تمت
إنارته بالكامل. مطلع عام 1981 شهد العراقيون أوّل حالات قطع الطاقة الكهربائية بعد عقود من استقرارها، إذ كان قد بدأ فصل قصف المدن المتبادل بين العراق وإيران. 

حقائق وأرقام

يقول تقرير "خطة التنمية الوطنية للسنوات 2010-2014" الذي وضعته وزارة التخطيط العراقية في كانون الأوّل/ديسمبر 2009، "إن معدل توليد الطاقة الكهربائية الوطنية في العراق بلغ ما يقارب (2958) ميغاواط في مرحلة ما قبل حرب الخليج الثانية عام 1990، حيث كان الإنتاج يغطّي كامل الطلب على الطاقة لغاية عام 1994. وقد بدأ عجز توليد الطاقة بالتزايد بسبب الحروب والحصار الاقتصادي وتوقف الخطط التنموية وزيادة استهلاك الطاقة من قبل الناس. وبلغت طاقة الانتاج المتحققة كمعدل سنوي (3409) ميغاواط مقابل حجم طلب (4653) ميغاواط خلال عام 2003 أي بنسبة عجز مقدارها 27%".

استمر التدهور في حالة الطاقة الكهربائية خلال الاحتلال الاميركي، حيث بلغ معدل توليد الطاقة الكهربائية في عام 2004 (3828) ميغاواط، وارتفع إلى (4526) ميغاواط عام 2008 اي بنسبة تطور مقدارها 63 % ، في حين ارتفع حجم الطلب من 5442 ميغاواط عام 2004 الى 10000 ميغاواط عام 2008، فبلغت نسبة العجز 38 % عام 2008.

ويرجع سبب انخفاض حجم القدرات الانتاجية من الطاقة الكهربائية إلى عمليات التخريب والتدمير التي لحقت بالمنظومة الكهربائية والمنشآت التابعة لها، إضافة إلى السلب والنهب اللذين طالا معظم المنشآت الاقتصادية بعد عام 2003، وتدهور الامن وعدم الاستقرار بالنسبة للعاملين في هذا النشاط الحيوي، وكذلك الى عدم وصول الوقود والمشتقات النفطية الى معظم مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية، اضافة الى صعوبة الحصول على الادوات الاحتياطية اللازمة لإدامة عمر المحطات ومنشآت انتاج الطاقة، وأخيراً الى تقادم المحطات وشحة المياه، خاصة للالكهرومائية منها حيث انخفض معدل الانتاج المتحقق لتلك المحطات خلال النصف الاول من عام 2008 مقارنة بعام 2007 بنسب تراوحت ما بين (24 و 59%).

إلا أن تقرير المفتش العام الأميركي المكلّف بإعادة الاعمار في العراق، والصادر في الفترة ذاتها يقول ان "الإنتاج اليومي الأقصى تراجع من كمية مشجعة بلغت 5530 ميغاواط في مطلع العام الحالي إلى نحو 4500 ميغاواط، اي أنه تجاوز بقليل (500 ميغاواط) المستوى الذي كان عليه قبل خمس سنوات، بعيد الشروع في إعادة الإعمار، وقبل استكمال آلاف المشاريع المدعومة من قبل الولايات المتحدة"!
   

جعجعة الكهرباء وطحين الطاقة

ملأت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 الإعلام الرسمي ضجيجاً بحجم العقود التي أنجزتها لحل أزمة الكهرباء. مطلع الربيع، أعلنت وزارة الكهرباء العراقية عن توقيعها عقودا مع شركة "أويل فيلد سيرفيسز" الإماراتية من أجل تزويد العراق بما يقدر بنحو 250 ميغاواط من الطاقة الكهربائية عن طريق بارجتين متخصصتين في هذا المجال، سترسوان في ميناء المعقل الجنوبي في محافظة البصرة ليتم ربطها بالشبكة الوطنية. وبكل جدية، قال بيان صادر عن الوزارة، إن فترة سريان العقد الموقع بين الجانبين، العراقي والإماراتي، هي عامان فقط، إلا أنه قابل للتجديد. وقد اشترطت الوزارة على الشركة الإماراتية أن تقوم بإدخال الكمية المطلوبة في موعد أقصاه 31 تموز/يوليو الجاري، وأن أي تأخير عن هذا الموعد يعتبر بمثابة إلغاء تلقائي للعقد بدون أي إشعارات. وبعد شهر من ذلك الاعلان، في الخامس من أيار/مايو 2012، ذكر الموقع الرسمي لوزارة الكهرباء، أنّ الوزارة أبرمت عقداً مع نظيرتها السورية في مجال نقل الطاقة بين البلدين، بعد أن أنجز الجانبان الالتزامات الفنية في إنشاء خط ربط الضغط الفائق بالكامل، وتشغيله تجريبياً. ثم أعلنت أسماء الشركات الأجنبية المنافسة على بناء محطة كهرباء بقدرة 1500 ميغاواط في مشروع تبلغ كلفته مليار دولار في غرب العراق، وذلك ضمن مبادرة لتحسين البنية التحتية المتداعية بعد سنوات من العقوبات والحرب. وزيد أن المحطة ستتكون من ست وحدات، منها أربع وحدات تعمل بالغاز ووحدتان حراريتان، وأن المشروع سيستكمل في غضون 33 شهراً.

حمى العقود والوعود مستمرة منذ ما يزيد على تسعة أعوام، لكنها في أغلبها إما فقاعات إعلامية للاستهلاك الانتخابي، وإما عقود وهمية تصرف مبالغها من دون مقابل. بهذا الصدد، أقر وزير الكهرباء أمام مجلس النواب بعدم دخول تجهيزات لأيّ محطة كهرباء جديدة منذ عام 2005، وإلى الآن، وأنّ الوزارة أنفقت أكثر من 27 مليار دولار خلال السنوات الماضية، وهي من أموال الشعب العراقي، وتم هدرها.

وحيال المشهد، يتخبط المسؤولون فيراجعون تصريحات الامس و"يصوبونها": لم يقصد نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة، حسين الشهرستاني، أن أزمة الكهرباء في العراق ستنتهي "نهاية العام الحالي" بل "القادم"، أي 2013. ويجري احياناً استدعاء المسؤولين إلى قبة البرلمان لمسائلتهم عن الأعمال، ولا سيما أن توقيع العقود لتطوير الكهرباء يسير على قدم وساق، إلا أن كل ذلك يذهب هباء وقبض ريح.
  

أزمة إدارة أم إدارة أزمة؟

برعت الحكومات التي تعاقبت بعد احتلال العراق في ادارة الازمات المتراكمة، وبضمنها أزمة الكهرباء، من دون أن تبذل أي جهد لحلها. وفي المحصلة، كان لا بد من أن تصل الى نهاية طريق مغلق. انها أزمة الادارة، يفاقمها الخلاف القائم بين "قلعتي" وزارتي النفط والكهرباء اللتين تتعايشان بصعوبة منذ إعادة تشكيلهما من قبل "سلطة التحالف الموقتة" في 2003. فلكي تُشَغل محطات توليد الكهرباء، يجب على وزارة الكهرباء أن تتوسل وزارة النفط للحصول على أي كمية من الوقود تستطيع هــذه الأخيرة توفيرها، هـــذا في حين أنها تستطيع شراء الكمية التي تريدها من أماكن أخرى.

وبهذا الصدد أيضاً، تقدر وزارة الخارجية الأميركية أن 1500 ميغاواط من الطاقة، أو ثلث إنتاج البلاد الأقصى في يوم عادي، تكون غير متوفرة لأن وزارة الكهرباء لا تستطيع الحصول على ما يكفي من الوقود. ونتيجة لذلك، فبينما تقوم وزارة النفط بنفخ خزينة الحكومة، فإن المستشفيات ومحطات ضخ المياه وأنظمة الصرف الصحي تشتغل بشكل متقطع أو لا تشتغل أصلاً.

والواقع أن تصلب وتشدّد وزارة النفط يتعدى توفير الوقود، ذلك أنها ترفض أيضاً المساهمة في تمويل أي مشاريع لا تساعد على تصدير مزيد من النفط الخام. وكما يقول دبلوماسي أميركي في بغداد، فـ"إن وزارة النفط لا تنجز أي مشاريع في مجال الكهرباء، إنهم لا يعبأون". ولم تعمل الحكومة العراقية على سدِّ هذه الثغرة في عمل الوزارتين العاملتين في مجال الطاقة، على الرغم من استحداث منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة.

أزمة الادارة تتجلى في ظاهرة تجاوز المحافظات على حصصها المقررة من الطاقة الكهربائية على حساب العاصمة بغداد ومحافظات اخرى. فقد كشفت مناقشات مؤتمر تحسين الطاقة لمحافظات الفرات الاوسط الذي عقد في محافظة بابل في العشرين من أيار/مايو الماضي أن محافظة البصرة وحدها تتجاوز على حصتها بحدود 400 ميغاواط فيما تتجاوز محافظة الناصرية على حصتها بحدود 200 ميغاواط، ما يؤثر على حصص بقية المحافظات. وحين طالب المؤتمرون وزارة الكهرباء بتطبيق الاجراءات القانونية بحق المحافظات المتجاوزة على حصصها، وتشكيل لجنة تتولى الاشراف على مركز السيطرة الوطنية، وفرض عقوبات رادعة على المحافظات التي تتجاوز على حصصها، فاجأهم الوكيل الاقدم لوزارة الكهرباء باعتراف خطير، حيث قال "ان وزارة الكهرباء ليس لديها أي سلطة على مركز السيطرة الوطنية الذي ما زالت الجماعات المسلحة تسيطر عليه بالكامل".

هذا الاعتراف يؤشر الى حقيقة قد تكون هي السبب الرئيس في معظم أزمات العراق، وهي سيطرة الاحزاب وميليشياتها على مفاصل الدولة، حيث تشكل سلطات تقوم بإدارة هذه المفاصل وفقاً لاهوائها ورغباتها ومصالحها، على حساب دور المؤسسات الرسمية. إنها خارطة المحاصصة ولعبة التوازنات ومراكز القوى التي وضعها "الحاكم المدني" الأميركي للعراق بول بريمر، وما زالت تلقي بظلالها على المشهد العراقي، على الرغم من مغادرته أرض العراق منذ ما يزيد على السبع سنوات.
  

- أنفقت الحكومات المتعاقبة أكثر من 27 مليار دولار لمعالجة أزمة الكهرباء، بلا نتائج. لقد تم هدرها
- أقر وزير الكهرباء أمام مجلس النواب بأنه، منذ 2005 لم تدخل العراق أي معدات لانشاء محطات طاقة
- نظام المحاصصة أوجد مناطق نفوذ في الوزارات المربحة، لا تدخل المصلحة الوطنية في حساباتها 

 [نشر هذا المقال بالإتفاق مع  ملحق "السفير العربي“ الصادر عن صحيفة ”السفير“ اللبنانية.]

  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • عمر الجفال: أريدُ مُوتاً مُقنعاً: لقاء العقابي الوحيد

      عمر الجفال: أريدُ مُوتاً مُقنعاً: لقاء العقابي الوحيد
      "ُأريدُ مُوتاً مُقنعاً"حميد العقابيكان ذاك صيف عام 2010، وكنت قد غادرت إلى العشرينات من عمري تواً، أرسل إليّ بريد الكتروني وأخبرني أنه في دمشق، وحدّد موعداً سريعاً لنلتقي غداً، وسألني إن كا
    • حميد العقابي: كتبت الرواية عبر الشعر

      حميد العقابي: كتبت الرواية عبر الشعر
       حاوره: عمر الجفّالتفضّل حميد العقابي بإرسال بعض رواياته إليّ بصيغة (pdf) أواسط عام 2010 بعد أن عجزت عن الحصول عليها بنسختها الورقيّة في دمشق، وكنت قبلها قد قرأت الكثير من شعره، وخضنا حوارات &qu
    • النمو السكاني في العراق: شباب وهشاشة

      النمو السكاني في العراق: شباب وهشاشة
      "الأول هدف محقّق، والآخران تسلل"، يردُّ الشاب المولود عام 1991، مستعيراً مصطلحات كرة القدم، ساخراً من سؤالي المستغرب عن إنجابه لثلاثة أطفال وهو لم يتمّ في زواجه سوى خمسة أعوام، ويلمِّح إلى

Firing Ibrahim Eissa From Al-Dostour Exposes The Reality Of The Wafd's New President

وأخيرا خلع السيد البدوي برقع الحياء بفصله إبراهيم عيسى وطاقمه من الدستور

 

وحدث ما كنا نتخوف منه ونتوجس حدوثه. فقد أقال بالفعل مجلس إدارة صحيفة الدستور إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير الجريدة أمس، ووقع القرار كلامن رئيس مجلس إدارة الجريدة د. السيد البدوي (رجل الأعمال المعروف ورئيس حزب الوفد الذي يتم تلميعه منذ شهور) والرئيس التنفيذي لمجلس الإدارة رضا إدوارد (وهو وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد أيضا). وواجه صحفيو الدستور ذلك القرار على الفور باعتصام مفتوح بمقر الجريدة (بعد ساعات من صدور القرار)، وهو ما يعني دخول الجريدة في أزمة طاحنة لمدة لا يمكن لأحد التكهن بنتائجها. ثم تلى ذلك فصل كل أعضاء سكرتارية التحرير: شادي عيسي ومحمد فوزي، مساعدا رئيس التحرير، وعبدالمنعم محمود سكرتير عام التحرير. وهذا يعني أن ما تعرضت له الجريدة لا يقل عن مجزرة واسعة لاستئصال مراكز ثقل سياسة التحرير القديمة.

لا أظن أن هذا القرار فاجأ أحد، فمنذ أن أشترى السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، ومعه مجموعة من رجال الأعمال الوفديين الجريدة من مالكها السابق ونحن نتوجس إزاحة إبراهيم عيسى عن الساحة ليهدئوا بذلك من وتيرة معارضة النظام ومحاربة التوريث التي كانت تنتهجها الدستور تحت قيادته. لكن ما فاجأني أنا شخصيا هو تنفيذهم لمخططهم بهذه السرعة، فكنت أتوقع أن يكونوا أكثر حصافة من ذلك. لكن يبدو أن السيد البدوي لا يبالي بأية حصافة فقرر خلع برقع الحياء بكل بساطة وبسرعة البرق. لماذا لم ينتظر بضعة أشهر قبل أن ينفذ مخططه، وهو ما كان سيكفل له الوقت اللازم للتغطية على أغراضه الحقيقية؟ هل وصلت له تعليمات أمنية بضرورة الاسراع في تنفيذ المخطط؟ هل يريد أن يغلق فم الدستور قبل الانتخابات التي ستشهد تزويرا واسعا للوفد؟ أم أن تحالفاته الجديدة لا تتحمل الحصافة أصلا (فمن المعروف عن رجال الأعمال أنهم يرهقون أنفسهم في تحقيق شيء غير ممكن)؟ 

للأسف ما قيل على صفحات الانترنت من أن سبب فصل إبراهيم عيسى هو اعتراض البدوي علي نشر مقال ما أو وجود خلافات بينه وبين إبراهيم عيسى بشأن المرتبات هو تفسير غير مقنع على الاطلاق، وضار جدا أيضا. فلا يمكن إقالة شخص بوزن إبراهيم عيسى من صحيفة كصحيفة الدستور (تدور كلها حول شخص إبراهيم عيسى) بهذه السهولة على خلفية خلافات عادية كهذه. وعلى الرغم من سخافة هذه تفسيرات نراها للأسف تقنع الكثيرين من أصحاب النوايا الحسنة. الثابت هنا هو أن البدوي يبيت النية لهذا القرار منذ اللحظة الأولى...تشير كل الدلائل إلى أنه أخذ قرار إسكات إبراهيم عيسى مع سبق الإصرار والترصد، وكلنا كنا نتوقع أن يفعل ذلك. بل كان ذلك هو السبب الرئيسي والوحيد لشرائه الجريدة. لنترفع إذن عن التحليلات السخيفة التي لا تفعل أي شيء سوى تبرير القرار بالبحث عن أسباب <<معقوله>> و<<محترمة>> له، ولنبدأ جميعا من الاعتراف بأن البدوي فصل إبراهيم عيسى وطاقمه للتقليل من حدة الجريدة في معارضة النظام...كجزء من مخطط متعدد الخطط والأطراف يهدف لتهدئة الاحتقان في البلد وتسهيل عملية انتقال السلطة بشكل عام (برلمان، رئاسة، إلخ).

الهدف الرئيسي من وراء شراء رجال الوفد الصحيفة هو إغلاق أحد أهم أبواق المعارضة المستقلة في الدعاية ضد النظام وتوريث الحكم، ولهذا السبب يجري تلميع حزب الوفد وقياداته منذ فترة الآن. وذلك إنما يكشف أن السيد البدوي وحزبه لا يختلفان عن جمال مبارك وحزبه.

لكن يبقى السؤال: ماذا ستفعل المعارضة المستقلة تجاه ذلك؟ هل ستسكت على ما يفعله البدوي وحزبه بعد أن أثبتوا أنهم جزء لا يتجزأ من حملة تجفيف أقلام المعارضة المستقلة؟ هل ستظل تتعامل مع حزب الوفد على أنه من المعارضة، وتتعامل مع رئيسه على أنه معارض لامع؟ وهل ستستطيع المعارضة المستقلة فتح مساحات إعلامية وتثقيفية مستقلة في المستقبل؟ أين ستنشر أخبارها وآرائها؟

في كل الأحوال يشير قرار فصل إبراهيم عيسى بهذا الشكل الفج أننا على أعتاب فترة حرجة جدا ستضيق فيها المساحات المفتوحة أمام المعارضة المستقلة (وهي قليلة بالفعل) بشكل خانق وغير مسبوق، وأن التنكيل بالمعارضة المستقلة سيأتي من النظام وبعض مؤسسات المعارضة على حد سواء. إذا نجحوا في ذلك لا سمح الله ستختلف ساحة صنع الرأي العام في البلد بشكل مخيف. إقالة إبراهيم عيسى حدث مخيف ومؤسف جدا، وفيه تهديد مباشر لنا كلنا، ويجب أن نتعامل معه على انه كذلك. ولن يكون الأخير بكل تأكيد، بل هو بداية حملة للتقليل من المساحات القليلة المفتوحة أمام المعارضة، وملاحقة كتابها، صحفي صحفي. وتشمل هذه الحملة توسعة مساحة المعارضة المنضبطة، ولذلك تنوي الحكومة السماح لثلاث صحف جديدة بنشر إصدارا يوميا، وهم: <<الكرنك>>، جريدة هشام قاسم الجديدة (كان قاسم من أهم مؤسسي المصري اليوم)، و<<اليوم السابع>> ولها موقع إنترنت معروف وتنشر جريدة اسبوعية بالفعل، و<<الفجر>> جريدة عادل حمودة الأسبوعية. وهذا يعني أن المرحلة القادمة ستشهد مضاعفة مساحة الصحافة <<المستقلة>> اسما والتضييق على الصحافة المستقلة فعلا.

لا أعلم إلى أين سينتهي إضراب الدستور، وما إذا كان سيفشل أم ينجح في الوصول إلى حل وسط ما. لكن حتى لو نجح في الوصول إلى حل وسط ستظل الخسارة كبيرة لأن هذا سيعني ان طاقم الجريدة سيعمل تحت التهديد المستمر. كما لا أفهم سر شماتة البعض في إبراهيم عيسى والدستور بسبب اختلافهم معه، فعدم تقدير فداحة هذا الحدث هو قمة الغباء السياسي. وأقول لهؤلاء: أنتم اللاحقون أيها البلهاء.